متصفحك لا يتحمل لغة جافا سكريبت الفينيقيون - مقدمة

مقدمة

رأس فينيقي، ج. أشقر © Les Phéniciens

من المعروف أن المنتصرين هم الذين يكتبون التاريخ، فما كتبوا عن الفينيقيين ؟

اليقين الذي يعترف فيه جميع المؤرخين أن الفينيقيين هم 'ملاحين وتجار'. بين الإعجاب والغيرة، والثناء والنقد، الجميع يقرون بأنهم من دعاة السلام ما بين الشعوب.

بدافع المغامرة والاستكشاف، حب الاستطلاع، الربح والتجارة، تكوين علاقات جديدة وتوسيع معرفتهم، اعتمد الفينيقيون السفر والملاحة في جميع أنحاء العالم القديم لتغذية فضولهم، لتسويق ومقايضة سلعهم وبحثا عن بعض المنتجات وخصوصا مواد الخام لحرفهم اليدوية.

علم الآثار ثبت أن الفينيقيين أسسوا العديد من المراكز التجارية عبر الشواطئ وخصوصا حوالي البحر المتوسط، لضمان تنقلاتهم وتموين مراكبهم. البحارة والمستكشفون الفينيقيون حاولوا دائما خوض المغامرة لتخطي العوائق والعقبات ولاكتشاف مناطق جديدة. فأنشئوا مدن عديدة بعضها اشتهرت وازدهرت كمدينة قرطاج لتتجاوز المدن الأم، وعبروا أعمدة هرقل (حاليا مضيق جبل طارق) ليبحروا على المحيط الاطلسي. لكن السبب الأساسي لهذه المراكز كان ويبقى لخدمة مؤسساتهم كوسطاء مع مدنهم الرئيسية (جبيل، صور، أو صيدا ...) فالتجارة كانت الدافع الرئيسي لتلك الانشائات.

انتشار الفينيقيون حول البحر الأبيض المتوسط
انتشار الفينيقيون حول البحر الأبيض المتوسط

ومع ذلك، فأن تاريخ هذا الشعب القديم لا تزال غامضة بعض الشيء. حتى الوقت الحاضر يتقاسم العلماء بين الكلام والكتابة عن التاريخ الفعلي أو الأساطير المتعلقة به. فلذلك يطرح السؤال: من هم هؤلاء الفينيقيين؟ من أين أتوا؟ لماذا اطلق عليهم هذا الاسم؟ هل لهم تواجد في عصرنا الحاضر ؟ ما حدث لهؤلاء الناس ؟ العديد من الأسئلة طرحت ومن الأكيد أن الكثير يبقى في قيد الاستنطاق، من خلال هذا الموقع سوف نحاول أن نبرز بعض الحقائق عن حضاراتهم وحياتهم، بعيدا عن الصورة المتداولة منذ العصور القديمة عن الشعب الفينيقي.

من المهم أن نتخطى مفهومنا الحديث والمعاصر من الدول، مع حدود مرسومة ومعترف بها، فالفكرة القديمة مختلفة تماما. فينيقيا، أو بالأحرى بلاد الفينيقيين، لم تمثل ابدآ أي إقليم يتبع حدود مقررة فتبعت المد والجزر حسب القوى في المنطقة. واستعمل مصطلح 'الفينيقيين' في بداية العصر الحديدي، مع غزو شعوب البحر (١٢٠٠ قبل الميلاد)، فمن الرائد حاليا استعمال هذا التعبير لتمثيل جميع الشعوب التي سكنت المنطقة بدلا من التكنية إلى كل مدينة.

الموقع الأثري في جبيل
الموقع الأثري في جبيل

سكنت هذه المنطقة، التي تمثل شاطئ لبنان الحالي مع بضعة الكيلومترات إلى الشمال والجنوب، منذ العصر الحجري القديم. هذا الوجود تطور بشكل واضح خلال العصر الحجري الحديث (٧٥٠٠ قبل الميلاد) ليؤدي إلى استقرار دائم على عدة مواقع مع اقتصاد زراعي ورعوي. من الاكتشافات البارزة، التي حققها عالم الآثار موريس دونان خلال الحفريات بين العامين ١٩٢٤ و ١٩٥٩، وجود رؤوس اسهم من حجر الصوان، وخناجر، وشفرات مسننة للحصاد وفؤوس ومكاشط، أكدت أن تأسيس مدينة بيبلوس (جبيل الحالية)، يعود إلى ٧٠٠٠ سنة ق.م. على عهد سكان العصر الحجري الحديث.

منذ الألفية الرابعة قبل الميلاد شهد الوجود الإنساني تطورا ملموسا في تكوينه حيث تم إنشاء قرى الصيد الصغيرة ولا سيما في جبيل وقرب صيدا وتكونت المنازل من غرفة واحدة، وبنيت غالبا حول مصادر للمياه ومحاطة ومحمية بالأسوار. مع هذا الاستقرار تطورت الزراعة والري وصيد الأسماك، وخصصت معابد صغيرة للآلهة المرتبطة بالقوى الطبيعية، وشرع الأهالي في دفن موتاهم في الجرار الكبيرة التي كانت مخصصة للحبوب (للتشبيه إلي الحبوب التي تغرس في الأرض وتنموا). هذا الوضع دفع إلى تغيير حاسم في التنظيم الحضري والسكني لهذه القرى لتتحول إلى مجتمعات مدنية.

منذ الألف الثالث ق.م. مع اعتماد الحكم المحلي أدى إنشاء المدن الدويلات إلى إنماء التجارة. من أول واهم العلاقات التي بنيت نجد التبادل بين مصر ومدينة جُبْلا أو جُبَلْ جبيل (بيبلوس). فتوافدت الهدايا ذات الطابع الملكي: السلع الفاخرة، والمزهريات، والأواني، والحلي من الذهب والمرمر، بالإضافة إلى ورق البردي والكتان، إلى مدينة بيبلوس، أقدمها يرجع تاريخها إلى ٢٧٠٠ ق.م. وبالمقابل نقلت السفن الفينيقية خشب الأرز إلى مصر المستعمل لبناء المعابد والسفن المصرية ومن الرائج أيضا أن راتنج الأرز يمثل مادة أساسية ولا غنى عنها في الطقوس الجنائزية وخاصة لتحنيط الموتى.

في نهاية الألفية الثالثة ومع دخول مصر في مرحلة من التراجع، وانقطاع اتصالاتها مع المنطقة تغير هذا الوضع وتأثرت رجعيا المدن الفينيقية. على حدود عام ٢٢٠٠ ق.م. دمرت مدينة بيبلوس لكن سرعان ما أعيد بناؤها حول معبد بعلة جُبْلا (سيدة جبيل) واستأنفت نشاطها التجاري وإقامة علاقات جديدة مع الساحل الشمالي وسوريا الداخلية لتامين المواد المعدنية لصناعتها المحلية. وأصبحت مدينة بيبلوس واحدة من المراكز الأكثر نشاطا في تعدين البرونزية. تصنيع التماثيل الصغيرة المشهورة يعود إلى هذه الفترة، لتصبح رمزا لمدينة جبيل. وتجددت العلاقات مع مصر على عهد الأسرة الثانية عشرة (الفراعنة أمنمحات الثالث والرابع).

معبد بعلة جبيل
معبد بعلة جبيل

خلال العصر البرونزي الوسيط (٢٠٠٠-١٥٠٠ قبل الميلاد)، لم تقتصر التبادلات فقط على مدينة جبيل، فالعديد من مراكز النشاط أُنْشِأت في جميع أنحاء البلاد: في عرقة (إلى الشمال)، في بيروت، في البقاع وكامد-اللوز. ونسجت روابط خاصة مع كريت وقبرص وغيرها من المدن مثل أوغاريت. على الصعيد الدولي، تطور السياق السياسي مع عودة نفوذ مصر، وسياستها التوسعية الجديدة وحملاتها الفتوحية. ففي نهاية عهد فرعون تحتمس الثالث (حوالي ١٤٤٠ قبل الميلاد)، وقعت المدن الفينيقية مرة أخرى تحت السيطرة المصرية. وفرض على ملوك وحكام هذه المدن ضرائب جديدة كانت تدفع إلى ممثلي الفراعنة.

في القرن الرابع عشر، دخلت القوات الحثية على رقعة الشطرنج الإقليمية، مما هدد التوازن السياسي في المنطقة. بعضا من الملوك المحليين. لم يترددوا إلى إقامة تحالفات وعلاقات مميزة مع الفاتح الجديد. تجلت المواجهة بين الإمبراطورية المصرية والإمبراطورية الحثية في معركة قادش الشهيرة (١٢٧٥-١٢٧٤ قبل الميلاد) مما أدى إلى معاهدة بين رعمسيس الثاني وهاتوسيلي الثالث وتم وضع نقطة الفصل بين الطرفين على ضفاف النهر الكبير (الحدود الحالية بين شمال لبنان وسوريا). نتيجة هذه الاتفاقية عانت أوغاريت الوصاية الحثية بينما الكثير من المدن الفينيقية وقعت تحت هيمنة الحكم المصري.

كان الوضع السياسي والاقتصادي في المنطقة تحت السيطرة المصرية غير متوازن، فبعث الكثير من الملوك المحلين رسائل إلى الفراعنة للشكوى وخصوصا عن المنافسات الحادة بين المدن. ودامت هذه الحالة من عدم الاستقرار حتى غزو شعوب البحر (حوالي ١٢٠٠ قبل الميلاد)، وتدمير المدن الرئيسية. نتيجة هذه الموجة المدمرة كان كارثي لبعض المدن فمحيت أوغاريت إلى الأبد. وتعرضت جبيل أيضا إلى التهديم ولكنها بنيت من جديد ولكن نتائج هذه الكارثة كانت إيجابية في بعض المجالات، حيث تمكنت المدن الأخرى التي تضررت، أن تسترد بعض النفوذ ونوع من الاستقلالية الذاتية.

تراجع مصر وانكماشها الجديد، وأزالت واختفاء الإمبراطورية الحثية أدت إلى الحرية التامة للمدن الفينيقية وازدهارها. وعملية اجتياح الفاتح من الشرق، ملك أشور، كانت قصيرة وبلا مستقبل (إغارة تغلات بلاصر الأول إلى أرواد في عام ١١٠٠ قبل الميلاد). حتى منتصف القرن التاسع قبل الميلاد، استفادت هذه المدن ونمت ووسعت تجارتها. والسكان دافعوا عن انتمائهم إلى مدينتهم وافتخروا بكيانهم الخاصة: فكانوا جبليين (من جبل / بيبلوس) أو صوريين أو من مدينة صيدا ولكن أبدا فينيقيين فهذا الاسم اعتمد من قبل الإغريق ليمثل سكان الشاطئ الشرقي من البحر الأبيض المتوسط.

ناووس حيرام والأبجدية
ناووس حيرام والأبجدية

من تلك المرحلة نجد الكثير من المآثر الغنية والوثائق، ومن بين الآثارات الملموسة والمهمة هناك ناووس حيرام ملك بيبلوس الشهير حيث دوّنت الحروف الأبجدية الفينيقية على غطائه. من المكتوبات نجد تفاصيل عن العلاقة المميزة بين حيرام، ملك صور وسليمان ملك إسرائيل لبناء معبد أورشليم، واتحاد صور وصيدا، التي حصلت في ظل حكومة الملك اتوبعل واستمرت لأكثر من قرنين وابحر ملاحتها ليصلوا إلى مدينة تارتيسوس (إسبانيا) للحصول عل الفضة الضرورية لحرفهم، ناهيك عن تأسيس قرطاج كمرحلة أولى للوصول إلى إسبانيا أو بلاد الكورنوال (المملكة المتحدة)، والتي أصبحت من اكبر واهم المدن في العهد القديم وناقضت روما في السيطرة على محيط البحر المتوسط.


استمر هذا الوضع لعدة قرون وحافظت المدن الفينيقية على استقلاليتها، لكن التوسع الآشوري في الشرق لم يبقى من دون مردود سلبي. ثروات هذه المدن ومواقعها الاستراتيجية لم تستغرق وقتا طويلا لجذب انتباه الإمبراطورية الآشورية وبالتالي قيمة هذه المدن التجارية. من ٨٨٠ قبل الميلاد، دفعت صيدا وصور تكريما للملك آشورناصربال لحماية مراكز التداول والتجارة الخاصة بهم في شمال سوريا. وأصبحت الضرائب الأشورية تتزايد مع الوقت لتشمل الكثير من الكميات والمواد المتنوعة كخشب الأرز، والمعادن الثمينة، والعاج، والأنسجة الأرجوانية، الخ. ومع ذلك، حافظت هذه المدن على سيادتها في إدارة أعمالها و بقي الحكم في أياد الملوك المحليين، بينما عانت جميع المناطق المحيطة بها من السيطرة المباشرة من كبار المسؤولين الحكوميين الآشورية، وفي بعض الأحيان سبب التدخل من قبل ممثلي الملك الآشوري في مجال الأعمال التجارية، ثورات شعبية ونذكر منها صيدا (٦٧٧ قبل الميلاد) وصور (٦٧١ و٦٣٣ قبل الميلاد).

صور - قوس النصر
صور - قوس النصر

مع الافتتاحات البابلية، تغيرت المعالم السياسية في المنطقة. في سنة ٦٠٥ قبل الميلاد، انتصر نبوخذ نصر على تحالف المصريين والأشوريين في كركميش، ووقعت المدن الفينيقية بسهولة تحت السيطرة البابلية، باستثناء مدينة صور التي قاومت الحصار لمدة ١٣ عاما. وخلافا للآشوريين والمصريين، فرض البابليون سيطرة كاملة على المدن، وأبعد الفينيقيين إلى بابل، ووضع نبوخذ نصر يده على ثروات البلاد وخاصة غابات الأرز.

وصول الفرس، بعد الاستيلاء على بابل من قبل كورش (٥٣٩ قبل الميلاد)، كان له شعور إيجابي في كل المدن الفينيقية. فاشترك البحارة الفينيقيين مع أسطولهم إلى جانب الفرس في الحملة ضد مصر، حليفتهم السابقة. من الناحية الإدارية، تم تضمين المدن الفينيقية إلى مناطق غرب الفرات مع الاحتفاظ بقدر من الاستقلال الذاتي. منذ ذلك الوقت انتشر استخدام العملة. تم تطوير المباني. في بستان الشيخ، إنشات العائلة المالكة في صيدا معبد للإله أشمون الذي يدل على التزامها إلى 'ملك الملوك' (الملك الفارسي)، كما ذكر على ناووس اشمونعازر. واكتشاف خريطة أنشاء حي جديد في بيروت حسب خطة الشوارع المستقيمة والواسعة التي تتقاطع بزوايا قائمة يشهد إلى نمو وحيوية هذه المدينة في العهد الفارسي.

في القرن الرابع تم تقويض هذا التعاون، فدعم الأثينيون بعض الثورات وحاول أيضا المصريون التدخل في أعمال الشغب لاستعادة نفوذهم السابق. ولكن القمع الفارسي كان شرسا ومباشر. وهذه العلاقة المتوترة سهلت استقبال الإسكندر الكبير عام ٣٣٢ قبل الميلاد وفتحت المدن الفينيقية عن جديد أبوابها أمام هذا الفاتح دون أي مقاومة باستثناء صور التي ناضلت لمدة سبعة أشهر. مع المقدونيين، فقدت المدن حكمها الذاتي، لتصبح جزءا من احدى المقاطعات من العالم الهليني وذلك حتى وصول الرومان.

بعلبك - أعمدة معبد جوبيتر
بعلبك - أعمدة معبد جوبيتر

الصفحات على هذا الموقع متعددة ومتنوعة ولكن مخصصة للحضارة الفينيقية. سوف نتحدث عن تواريخ مدنها المشهورة كبيبلوس (جبيل) وصيدا وصور والمراكز التجارية عبر البحار. أوغاريت ليست مدينة فينيقية، بالطبع، ولكن من خلال تطور حضارتها كمدينة كنعانية وامتداد علاقاتها بشرت ظهور باقي المدن الدويلات على الشاطئ الشرقي من البحر المتوسط. بعلبك، التي اشتهرت مع قدوم الرومان، كانت تمثل صلة وصل ومركز تجاري لربط مدن الساحل والمناطق النائية الداخلية والحضارات الشرقية. وتكرس صفحات أخرى لمواضيع مختلفة مثل الحروف الأبجدية، والفن، والعملة، والتوسع، والأسماء الشهيرة عبر التاريخ: حيرام، حانون، ...، الأبطال الأسطوريين: أوروبا، أدونيس، اليسار...



شعارنا
حافظ عتاريخك

بتأمٍن مستقبلك
شعارنا

من خلال شعارنا نهدف للحفاظ على ذاكرة الفينيقيين الذين، وللأسف، استبعدوا من الكتب المدرسية. قلة من الناس يتذكرون أو يتكلمون عن هذا الشعب، حضارته: الأبجدية علم الفلك والإبحار، التجارة والمبادلة، الاكتشافات البحرية. أما الجزء الأصعب هو تحديد التوسع الجغرافي وتطور هذه الحضارة، أو ما قد ورثناه من علم وثقافة، فمنذ العهد القديم حاولت اغلب الحضارات 'تشويه ومحي' اسم الفينيقيين.

هذا الموقع المخصص للفينيقيين ليس بأي شكل من الأشكال 'أيديولوجي'. وان لا يؤدي إلى أي تفسير غير تاريخي. مقالاتنا تحترم أعمال المؤرخين وعلماء الآثار الذين يبذلون قصارى جهدهم لإلقاء الضوء على هذه الحضارة 'المنسية' منذ زمن طويل. صفحاتنا تتغير باستمرار وأسلوبها بسيطا وفي متناول الجميع. وقد وضعنا سجل للزوار لتلقي جميع الاقتراحات أو التعليقات.




عودة إلى الصفحة الرئيسية